لم يعد من مجال لاستنفاد الجهود في محاولات مجزأة. فالتحوّل، عبر جميع قطاعات العمل الإنمائي، إلى مجتمعات تسودها العدالة والمساواة والازدهار والسلم، يتجاوز كل الحدود المصطلحية والمفهومية، تمامًا كما تتجاوز التحديات والعوائق كل حدود. ولسنا هنا بصدد تكرار ما سبق وقيل، بل نستلهم الضرورة الوجودية لإحداث تحول على مسار التنمية المستدامة وإزالة جميع العوائق التي تقف دونه.
رولا دشتي الأمينة التنفيذية للإسكوا
تدعو خطة عام 2030 إلى تغيير جذري وتحوّل في الأنماط السائدة. فحشد الموارد المحلية والخارجية يُعدّ من التحدّيات الملحة في المنطقة العربية، كما يُعدّ تكثيف الجهود نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة أمراً مُلحاً. إلّا أنّ التحوّل الجذري، لا يستلزم موارد مالية وتسريع الجهود فحسب، بل يتطلب، أكثر ما يتطلب، تحولًا في التوجه والنهج نحو التكامل في السياسات والاستدامة البيئية والحقوق مع التركيز على المساواة، والعدالة، والشمول الاجتماعي، والحريات الأساسية، والمشاركة في السياسة.
قصة أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية هي إذاً قصة الحقوق والمساواة بين الجنسين والاستدامة والتنمية المتكاملة. ولهذه المهمة من الضخامة والطموح ما يتعدى قياس التقدم على مستوى الأهداف والمقاصد والمؤشرات. وهذا التقرير، الصادر بعد مرور خمسة أعوام على اعتماد خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة، هو بمثابة تذكير بضرورة تحديد نقطة الانطلاق في التنفيذ على ضوء الإنجاز المنشود، حتى يكون في التغيير تحوّلٌ حقيقي. وإنّما المواءمة بين السياسات وسائر التدخلات مع الإطار الشامل لخطة عام 2030 هي الطريق الوحيد لعبور المنطقة والعالم إلى تنفيذ خطة عام 2030. أما مدى قرب المنطقة العربية من هذه المواءمة أو بعدها عنها، فهو ما يسرده هذا التقرير.
على الرغم من التنوع الكبير والتباين في الموارد ومستويات الدخل والتقاليد السياسية والآفاق الاجتماعية والممارسات الثقافية، تبقى الأوجه المشتركة بين البلدان العربية أقوى من أوجه الاختلاف. ومن المشترك بين البلدان العربية ما تواجهه من عوائق هيكلية تحول دون تتفيذ خطة عام 2030. وينظر هذا التقرير في وضع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر في المنطقة، ويتضمن متوسطات إقليمية ودون إقليمية.
ينتشر الفقر وعدم المساواة على نطاقٍ واسع في البلدان العربية، ويبلغ الفقر المدقع حداً ملحوظاً من الارتفاع في البلدان
الأقل نمواً. ولم تؤدّ جهود التصدّي للفقر في المنطقة إلى معالجة أشكال الحرمان المتعدّدة، ولا الفوارق بين المناطق
الريفية والمناطق الحضرية وعلى المستوى دون الوطني، ولا المخاطر التي تواجهها فئات اجتماعية مختلفة. لذلك، أصبح من
الضروري أن تجعل الحكومات الأبعاد الاجتماعية والبيئية جزءاً لا يتجزأ من التخطيط الاقتصادي إذا أرادت أن تُحرِزَ تقدّماً في
تحقيق الهدف 1 من أهداف التنمية المستدامة. وهنا لا بدّ من توفر الإرادة السياسية لوضع سياسات اجتماعية وسياسات
تضمن إعادة التوزيع، بغية التصدّي لتفاقم عدم المساواة والإقصاء.
تعتمد المنطقة العربية اعتماداً كبيراً على واردات الأغذية، ما يجعلها عرضة للتأثّر بتقلّبات التجارة العالمية وبعدم التكافؤ في التبادل
التجاري. والإنتاجية الزراعيّة منخفضة في كثير من البلدان. وكثيراً ما تكون الممارسات الزراعيّة غير مستدامة، ما يحدّ من توفّر الغذاء
بكلفة ميسورة في الأجلين المتوسط والطويل. وتؤدّي ندرة المياه وتغيّر المناخ والتوسّع الحضري المتزايد إلى تفاقم هذا الوضع.
ويستمر ارتفاع معدّلات الجوع ونقص التغذية، ولا سيما نتيجةً لتفشي الصراعات، إضافة إلى أنّ جيوب الجوع المزمن الحاد منتشرة
في مختلف أنحاء المنطقة. ويتوقّف إحراز التقدّم في تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة على توظيف استثمارات
مخصّصة ومنظمة في الزراعة المستدامة، وعلى استخدام المعرفة والتكنولوجيات لزيادة إنتاجيّة القطاع الزراعي ومنعته، وعلى إنهاء
الصراعات. والتعاون الإقليمي أساسي لتعزيز بناء المنعة، ولإحراز تقدّم في تنفيذ خطّة مشتركة لتحسين حوكمة التجارة العالمية.
شهدت المنطقة العربية في العقود الأخيرة تحسناً كبيراً في المؤشرات الصحية الرئيسية، ولا سيما بانخفاض معدلات
وفيات الأمهات والأطفال دون سن الخامسة. لكنّ مستويات الصحة والرفاه لا تزال على تفاوت كبير داخل البلدان وفي ما
بينها. فالخدمات الصحية مجزأة، تعمل غالباً حسب العرض لا الحاجة، والتباين في التغطية الصحية الشاملة كبيرٌ داخل البلدان
وفي ما بينها كما بين الفئات الاجتماعية المختلفة. وتركّز غالبية النظم الصحية على الخدمات العلاجية بدلًا من الرعاية الأولية
والوقائية، ولا تراعي بالقدر الكافي المحددات الاجتماعية للصحة. وتستلزم صحة الإنسان كما رفاهه تحوّلًا في المنطقة
إلى نهج حقوقي متعدد القطاعات، يعمل على تقوية النظم والخدمات الصحية، وتعزيز إمكانات مقدمي الخدمات وزيادة
أعدادهم، وتغطية الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للهدف 3.
لم يحقق التعليم كامل قدرته في إحداث التحوّل المنشود على الرغم من زيادة معدّلات الالتحاق بالمدارس وزيادة الاستثمار في
التعليم في المنطقة العربية. وتكمن التحدّيات الأساسية في قدم أساليب التدريس والتعلّم وسوء نوعيتها، وانعدام المساواة
في فرص التعليم، وكذلك في البنى التحتية. ولن تستطيع المنطقة تسخير إمكانات التعليم مدى الحياة على النحو المطلوب
في الهدف 4، ما لم يُنظر إلى التعليم بوصفه مشروعاً مجتمعياً لإنتاج مواطنين مبتكرين، يملكون فكراً نقدياً. وهذه الرؤية
الجديدة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة؛ ولنشر قيم المساواة والعدالة والسام؛ وكذلك لتأمين فرص عمل للشباب.
أحرزت البلدان العربية تقدماً ملموساً في توسيع نطاق حصول النساء والفتيات على خدمات الرعاية الصحية والتعليم.
وتستمرّ المرأة في خوض آفاق جديدة في كثير من مجالات الحياة، غير أنّ القوانين والممارسات القانونيّة والأعراف
الاجتماعية والثقافية وما تنطوي عليه من تمييز، كما الحواجز الهيكليّة التي تحول دون تحقيق المساواة بين الجنسين لا تزال
راسخة. ولا تزال المشاركة الاقتصادية للمرأة متأخّرة، ولا سيما بين الشابات. ونتيجة لذلك، تواجه المرأة في كثير من الأحيان
قيوداً على استقلاليّتها وتمتّعها بكافّة حقوق الإنسان، بما في ذلك الاضطلاع بدور فاعل في صنع القرار، في المنزل وفي
المجال العام. ومشاركة المرأة الكاملة في المجالين السياسي والاقتصادي عامل أساسي لتحقيق الهدف 5 وسائر أهداف
التنمية المستدامة بحلول عام 2030
.
تشكل ندرة المياه العذبة تحديًا جدياً للمنطقة، وتتفاقم بسبب التبعية العابرة للحدود والاحتلال والصراع وتغير المناخ، فضلاً عن النمو السكاني وزيادة التحضر. يتطلب تحقيق تواجه المنطقة العربية في ندرة المياهتواجه المنطقة العربية في ندرة المياه تحدياً كبيراً، يتفاقم بفعل التداخل عبر الحدود، والاحتلال والصراع، وتغيّر المناخ، وكذلك بفعل النموّ السكاني والتوسّع العمراني. ويتطلّب تحقيق الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة نهجاً حقوقياً حيال المياه وخدمات الصرف الصحّي، كما يتطلب هياكل فعالة لحوكمة المياه داخل البلدان وفي ما بينها، واستراتيجيات تربط بين المياه والطاقة والأمن الغذائي. والمنطقة في حاجة ملحة إلى استثمارات كبيرة في البنى التحتية، والتكنولوجيات الملائمة، واستخدام موارد المياه غير التقليدية بهدف تحسين الإنتاجية والاستدامة، ووصول الخدمة إلى الجميع.
أحرزت الدول العربية تقدّماً ملحوظاً في تعميم الحصول على الكهرباء، لكنّ البلدان الأقل نمواً ما زالت متأخرة على هذا
المسار. ولا شكّ في أنّ النمو السريع في الاستهلاك المنزلي للطاقة وازدياد كثافة استخدام الطاقة في تحقيق النمو
الاقتصادي من بين التحديات الكبيرة. ويقتضي الإسراع في التقدّم في تحقيق الهدف 7 من أهداف التنمية المستدامة تحوّلًا
حاسماً في السياسات لفصل النمو الاقتصادي عن استهلاك الطاقة، وتعزيز الكفاءة والإنتاجية، وزيادة الاستثمار في الطاقة
النظيفة والمتجدّدة واستخدامها. وفي هذا السياق، من الضروري تحقيق تحوّلٍ جذري في ذهنية المجتمع لصالح الطاقة
المستدامة. ودعمُ هذا التحوّل يتطلّب إعلاء أصوات حرّة ونابضة في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، وفي المجتمع المدني.
لم يكن النمو الاقتصادي في البلدان العربية بالتوازن المرجو لتلبية الطلب على فرص العمل المُنتِجة والعمل اللائق.
فالتخطيط الاقتصادي يكاد يكون في معزل عن السياسات الاجتماعية وهياكل الحوكمة التي يمكن أن تعزز المساواة
وتحقق الازدهار. ويؤدّي الإفراط في الاعتماد على النفط، وهيمنة القطاعات المتدنيّة الإنتاجية، وسوق العمل المحفوفة
بالإشكاليات، إلى المزيد من العوائق أمام جهود التقدم في تحقيق النمو المستدام الذي يصون رفاه الإنسان والكوكب. وقد
باتَ من الضروري إحداث نقلة في التفكير والتخطيط الاقتصاديَّيْن، نحو تحوّل هيكلي اقتصادي في المنطقة لدفع التقدم
على مسار الهدف 8 من أهداف التنمية المستدامة.
لا بدّ من خطوات شاملة للتحوّل إلى التصنيع المستدام الشامل للجميع في المنطقة العربية، حيث ظروف التعثر الاقتصادي، وتزايد البطالة، وضعف الكفاءة وعدم الاستدامة في استخدام الموارد الطبيعية. فالاحتياجات كبيرة على مستوى البنى التحتية، ولا سيما في البلدان الأقل نمواً. وتسجّل المنطقة أدنى مستويات التكامل الاقتصادي في العالم، وأدنى مستويات الابتكار قياساً إلى الاستثمار في البحث والتطوير وإلى إنتاجيّته. وإيلاء الأولويّة للابتكار والدفع بالتكامل الإقليمي وتحسين قدرة البنى التحتية على الصمود، كلّها تتطلّب تحوّلات جذرية في السياسات العامة، وأدوات واستثمارات شاملة، كما تتطلّب إرادة سياسيّة تلتزم بمختلف أبعاد التنمية المستدامة وبالترابط الأساسي بين النظم والسلع والمجتمعات والشعوب في جميع أنحاء المنطقة.
تتفاوت مستويات الدخل والحصول على الموارد والخدمات والمشاركة في الحياة السياسية إلى حدٍ بعيد في البلدان العربية
وفيما بينها. وتنتج أوجه عدم المساواة فوارق بين الطبقات وبين الجنسين وبين المناطق الجغرافية. وعلى الرغم من قلّة
القياسات الرسمية لعدم المساواة، يصعب إخفاء الفجوات الآخذة في الاتساع بين مختلف الفئات الاجتماعية والمناطق، التي
تقوّض التماسك الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي. ويتطلّب تقليص أوجه عدم المساواة إعادة التأكيد على
دور الدولة بوصفها الضامن للمساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتنفيذ السياسات اللازمة لإعادة توزيع الموارد
على نحو منصف. وهذه العملية سياسية في المقام الأول. وعلى الصعيد الوطني، لا بد من تغييرات هيكليّة في الاقتصادات
والمؤسسات، وتغييرات اجتماعية وقانونية للقضاء على جميع أشكال التمييز. ومن الضروري أيضاً وضع آليّات عالمية داعمة.
المدن العربية هي مراكز حيوية للنشاط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. غير أن التوسّع العمراني المتزايد على غير تخطيط فيالمدن العربية هي مراكز حيوية للنشاط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. غير أن التوسّع العمراني المتزايد على غير تخطيط في جميع أنحاء المنطقة، بفعل الفقر وتغيّر المناخ والصراعات، يثقل المدن والمستوطنات البشرية والموارد الطبيعية الشحيحة بضغوط هائلة، تزيد من الإقصاء الاجتماعي والمخاطر. والمدن التي طالما احتضنت جماعات متنوّعة من المهاجرين الدوليين والنازحين الداخليين، تنتشر فيها وفي ما بينها أوجه عدم المساواة. وتستمر الفوارق في إمكانية حيازة أرض أو سكن، والحصول على خدمة، والاستفادة من بنية تحتية جيدة النوعية، والخروج إلى مساحات عامة وبيئة نظيفة. ولتسريع التقدم في تحقيق الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة، على الدول العربية مواجهة تحديات التوسّع العمراني بالتخطيط الذي يركز على الإنسان والسياسات المتكاملة لتصميم المساحات. فتحسين الحوكمة في المدن والمستوطنات البشرية هو ضرورة لا تقل عن الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، بما في ذلك الأراضي.
يختصر الهدف 12 من أهداف التنمية المستدامة نموذج التنمية المستدامة بأسره، على المستويات المحلية والوطنية
والإقليمية والعالمية. وفي المنطقة العربية، تظهر الحاجة الملحة إلى معالجة أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة
واضحةً في اتجاهات مثل تزايد ندرة المياه، وتزايد استخدام الطاقة وما تسببه من انبعاثات، وإنتاج النفايات، وانخفاض
مستويات إعادة الاستخدام وإعادة التدوير، وتفاقم تلوث الهواء والماء. وقد اعتمدت دول عدة مؤخراً خططاً وطنية في
خطوة على مسار الاستهلاك والإنتاج المستدامين. إلا أن الحاجة لا تزال ملحة إلى تغيير جذري في حوافز أنماط الاستهلاك
والإنتاج غير المستدامة. وهذا يتطلب تحولًا من الاكتفاء بالنمو الاقتصادي إلى التركيز على نهج التنمية المستدامة، وتعبئة
القطاع الخاص وتنظيمه لدعم هذا التحول، وإشراك المجتمعات والأفراد في إرساء فكر جديد
.
تطال المنطقةَ العربية من جراء تغيّر المناخ آثارٌ بالغة، بفعل ارتفاع درجات الحرارة، فتعرِّض أعداداً كبيرة من السكان لمخاطر
ندرة المياه والجفاف. ويُوقع تزايد الكوارث والظواهر المناخية الشديدة خسائر في الأرواح ويُلحق أضراراً في الاقتصاد. وفي
حين يستثمر العديد من البلدان في التكيُّف مع تغيّر المناخ وتنويع الاقتصادات واعتماد استراتيجيات وطنية للحد من مخاطر
الكوارث، يبقى من الضروري توسيع نطاق الجهود على مستوى المنطقة، لتشمل جميع الجهات المعنية، وتوثيق الرابط بين
العلوم والسياسات العامة للتصدي لتغيّر المناخ، وجعل تقييم آثار تغيّر المناخ والمخاطر جزءاً أصيلاً من أنظمة التخطيط.
تتعرض المناطق البحرية المحيطة بالمنطقة العربية لمخاطر الاحتباس الحراري وتحمض المحيطات والتلوث البحري، جراء
أنشطة التنمية البحرية والساحلية. وتصل نسبة متزايدة من المناطق البحرية إلى مستويات غير مستدامة من الناحية
البيولوجية بفعل الصيد المفرط والصيد غير القانوني. وتهدد هذه التغيّرات صحة أجيال اليوم والمستقبل ورفاههم
وازدهارهم في جميع أنحاء المنطقة. ولا بد من سياسات متماسكة وفعالة لإنشاء مناطق بحرية محمية، وتحسين البيانات
وبناء القدرات المؤسسية والتقنية، للتمكّن من رصد الموارد البحرية وإدارتها بشكل مستدام، وإنفاذ القوانين ذات الصلة.
يتراجع التنوّع البيولوجي في المنطقة العربية، في حين يزداد التصحّر. فتدهور الأراضي، وتدهور النظم الإيكولوجية، وفقدان
التنوّع البيولوجي، بما في ذلك في الغابات، عوامل لها تأثير سلبي تدريجي على صحّة الإنسان ورفاهه، وتخفيف وطأة الفقر،
والبيئة الطبيعية. ومن الضروري إدارة الأراضي على نحو مستدام من خلال المناطق المحمية والزراعة المستدامة، إلى جانب
التخطيط الإقليمي المنسّق والاستراتيجي، وزيادة الاستثمار في الإدارة المستدامة للغابات وترميم المناظر الطبيعية، وذلك
من أجل عكس المسار الحالي للخسارة والتدهور
.
في ضعف سيادة القانون، وعدم كفاية الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيّات العالمية لحقوق الإنسان، وتفاقم ظروف النزاع
والاحتال، عوامل تخلُّ بقدرة الدول العربية على تحقيق الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة. وتصطدم جهود تحقيق
التنمية المستدامة بنواقص تشوب الحوكمة كتقلّص الفضاء المدني، والفساد، وضعف المشاركة السياسية لبعض
الفئات الاجتماعية. كما تعمّق هذه النواقص الاستقطاب والتمييز وعدم المساواة. وتتطلب معالجة الأسباب الجذريّة لهذه
التحدّيات توفّر إرادة سياسية حقيقية وتوسيع الفضاء المدني للانتقال إلى مجتمعات عادلة وسلميّة وشاملة للجميع، وبناء
مؤسسات فاعلة وشفّافة وخاضعة للمساءلة قادرة على دعم تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة.
يتطلب التحوّل الجذري الذي تدعو إليه خطة عام 2030 تضافراً وتكاملاً بين البلدان، ويلقي على كاهل الدول مسؤوليات
مشتركة وبدرجات متفاوتة. فوسائل تنفيذ خطة عام 2030 لا تحددها الظروف التي يتفرد بها كل بلد فحسب. وتحيط
مقاصد الهدف 17 بمواضع التركيز التي تتناولها خطة عمل أديس أبابا، الصادرة عن المؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية.
وتفرض هذه المقاصد أطراً وديناميات عالمية تنظم تدفق وإدارة الموارد المالية والاقتصادية والطبيعية، وتحدد إيقاع حراك
الأفراد، وتوجّه سبل تبادل المعارف والقدرات ونقلها.
وتواجه البلدان العربية تحديات جساماً في حشد وسائل التنفيذ على الصعيد الوطني، ولا تزال الهياكل الاقتصادية العالمية
غير داعمة، إذ ترسخ عدم المساواة داخل البلدان والمناطق وفيما بينها، ولا تزال المساعدات الدولية وجهود نقل المعارف
والخبرات دون التوقعات والاحتياجات. وللمنطلقات الإقليمية أهمية حاسمة أيضاً، فهي إما تيسّر أو تعوق قدرة البلدان على
تحريك الإرادة السياسية، وحشد الخبرات، وتعبئة الموارد اللازمة لمعالجة الأولويات العابرة للحدود. والأولويات في المنطقة
العربية لا لبس فيها تشمل الأمن المائي، والأمن الغذائي، وتغيّر المناخ، والسام. ولا يزال على البلدان العربية أن تعقد
الإرادة السياسية لتعزيز التكامل الإقليمي في مختلف أبعاد التنمية المستدامة، والمضي على مسار تنفيذ خطة عام 2030 .